أركان الحق
للحق ركنان أساسيان() هما صاحب الحق وموضوع الحق أو محله وهو ما يرد عليه الحق، وسنتناولها بالشرح في ثلاثة مباحث على الترتيب.
المبحث الأول: صاحب الحق
الشخص ركن أساس في الحق، فهو صاحب الحق، وهو من يكون صالحا لأن يصير صاحب حق وأن يتحمل بالإلتزام ويحيا حياة قانونية، وتلك هي الشخصية القانونيةla personnalite juridique. وتثبت الشخصية القانونية لكل من الشخص الطبيعي والشخص الإعتباري(المعنوي)، وسنبحث كل نوع منها في مطلب على حدة.
المطلب الأول: الشخص الطبيعي
الشخص الطبيعي هو الإنسان، ويقتضي الأمر تفصيل بدء شخصيته القانونية وانتهائها، ثم بيان خصائص الشخصية القانونية للشخص الطبيعي.
الفرع الأول: بدء الشخصية القانونية ونهايتها
أولا: بدء الشخصية القانونية للشخص الطبيعي (الإنسان): تبدأ شخصية الإنسان بتمام ولادته حيّاً ولو مات بعد لحظات من ولادته، أمّا إذا ولد ميتا فلا تثبت له الشخصية القانونية، ولذلك تنص الفقرة 1 من المادة 25 بأن "تبدأ شخصية الإنسان بتمام ولادته حيا وتنتهب بموته"(). وتثبت واقع الولادة في السجلات الرسمية المعدّة لهذا الغرض، وليست لهذه السجلات حجية مطلقة وإنما هي نسبية فقط، ومعنى ذلك أنه إذا لم تكن الولادة ثابتة في السجلات الرسمية أو تبيّن عدم صحة ما أدرج فيها فإنه يجوز لكل ذي مصلحة أن يثبت ما يدعيه بكافة طرق الإثبات()، لأن الولادة تعد واقعة مادية.
ـ الشخصية الحكمية أو التقديرية للجنين(المركز القانوني للجنين):
الجنين أو الحمل المستكن قبل انفصال الجنين عن أمه فانه يعتبر جزءا منها لا يتمتع بشخصية قانونية مستقلة. ومع ذلك يعترف الشرع و القانون للجنين ببعض الحقوق في مرحلة الحمل حفاظا على مصالحه، ويكون ذلك معلقا على شرط ولادته حيّاً، فله الحق شرعا في ثبوت نسبه من أبيه، ويرث أقاربه إذا ماتو وهو في بطن أمه، ويستحق الوصية ولو مات الموصي قبل ولادته، وهذه الحقوق تثبت لصاحبها دون حاجة لقبول يصدر منه، أمّا الحقوق التي يتوقف ثبوتها على صدور قبول فلا تكون للجنين، الهبة وسائر أنواع الإلتزامات فإنها لا تجوز للجنين. وتثبت تلك الحقوق للجنين ـ إذا ولد حيّاً ـ بأثر رجعي، فيعتبر وارثا من يوم وفاة مورثه لا من يوم ولادته. أمّا إذا ولد ميِّتا فتزول عنه الشخصية الناقصة بأثر رجعي، وبالتالي فلا يكون له أي حق من تلك الحقوق. وهذا ما نصت عليه الفقرة 2 من المادة 25 مدني " على أنّ الجنين يتمتع بالحقوق التي يحددها القانون بشرط أن يولد حيا"
ثانيا: انتهاء الشخصية القانونية: تنتهي الشخصية للإنسان بوفاته. وتثبت الوفاة في السجلات الرسمية المعدّة لهذا الغرض كالولادة، والوفاة شأنها شأن الولادة واقعة مادية يمكن إثباتها بمختلف طرق الإثبات. والقاعدة المقررة في الشريعة الإسلامية أنه: "لا تركة إلاّ بعد سداد الديون"، وقرر لذلك فقهاء الشريعة أنّ الإنسان بعد موته بعد حيّاً حكما حتى تسدد ديونه ثم توزع تركته وفقا لقوله تعالى:"من بعد وصية يوصى بها أو دين".
ـ الإنتهاء الحكمي أو التقديري للشخصية القانونية: وهو الذي يثبت بحكم من القضاء في الحالات التي لا يمكن فيها التيقن من حياة الشخص أو موته كالمفقود. والمفقود le disparu هو الشخص الذي لا يعرف مكانه ولا تعرف حياته أو موته ولا يعتبر مفقودا إلاّ بحكم ( المادة 109 من قانون الأسرة الجزائري)، وهو غير الغائب l absent ، وهو الذي منعته ظروف قاهرة من الرجوع إلى محل إقامته أو إدارته شؤونه بنفسه أو بالواسطة وتسبب غيابه في ضرر للغير، وحياة الغائب ـ ليست كالمفقود ـ تكون متحققة ولا شك فيها لأنها معلومة، كالأشخاص الذين يهاجرون للعمل أو الدراسة..ويعيّن القاضي قيِّما للغائب يتولى مباشرة شؤونه فترة غيابه ( المادة 111 من قا الأسرة) لأن الشخصية القانونية للغائب قائمة ولم تنته بعد